ودمدنى
نشأت مدينة ودمدنى السودانية عام 1489م عندما حل بموقع المدينة الفقيه محمد الأمين ابن الفقيه مدني الذي يتصل نسبه بعقيل ابن آبى طالب ابن عبد المطلب الهاشمي
بدأت منذ ذلك التاريخ تتكون الأحياء السكنية، حيث قام أول ما قام حي المدنين الذي كان يسكنه الدارسون والمريدون للفقيه محمد الأمين. وقامت خلال تلك الحقبة من الزمن صناعة المراكب الشراعية في إطار المركز التجاري الذي اتسمت به المدينة إلى جانب الصناعات المحلية، كدباغة الجلود والأحذية
عندما غزا إسماعيل بن محمد على باشا السودان، إتخذ من مدينة ودمدنى قاعدة لقواته التي أرسلها لغزو سنار وفازقلى. وانتهت أهمية المدينة كقاعدة عسكرية لجيوش الأتراك بمقتل إسماعيل باشا . وعند بداية الحكم الثنائي، المصري- السوداني، اتخذت مدينة الكاملين كعاصمة لمديرية النيل الأزرق. إلا إنه وبحلول عام 1902م حولت العاصمة الى ودمدنى. وخلال العشرين عاما بعد 1900م أقيمت محطة للسكة الحديد والمستشفى الذي كان وحدة عسكرية تابعة للقوات البريطانية ومباني رئاسة المديرية والمحاكم والبريد والجامع الكبير على امتداد شارع النيل. كما بدأ أول تخطيط إسكاني بالحي السوداني وحي القسم الأول .
شهدت مدينة ودمدنى منذ ذلك التاريخ نشاطا تجارياً كبيراً وحلت بالمدينة أعداد كبيرة من التجار والحرفيين .
في عام 1929م ضعفت أهمية مدينة ودمدني كمركز تجاري كان يستقبل يوميا عشرات القوافل المحملة بحاصلات السودان لتتوجه إلى كسلا. وكان ذلك بسبب اكتمال الخط الحديدي إلى شرق السودان حتى مدينة كسلا. واستعادت ودمدنى أهميتها الاقتصادية مرة أخرى بقيام مشروع الجزيرة في عام 1925م وتوسعت حركة الأداء الحكومي فيها نسبة للتطور الاجتماعي والإنمائي الذي شمل مديرية النيل الأزرق بحجمها السابق، إلى أن جاء عام 1973م حيث بقيت المدينة عاصمة لمديرية الجزيرة بعد تقسيم المديريات.
تبلغ مساحة ودمدنى في الوقت الحاضر 65 كيلومتراً مربعاً ويبلغ عدد سكانها 106 آلاف نسمة، وتضم عددا من المؤسسات المهمة كرئاسة وزارة الري ورئاسة هيئة البحوث الزراعية ورئاسة مشروع الجزيرة وكلية أبو حراز الزراعية. كما أنها تضم صناعات متنوعة، من أهمها صناعة الغزل والنسيج وصناعة الجلود والصناعات الغذائية والكيميائية المختلفة. وتمتاز المدينة بأنها نقطة الالتقاء الرئيسة لشبكة الطرق التي تربط مناطق السودان المختلفة بالخرطوم وميناء بور سودان.
تعتبر مدينة ودمدني المدينة السودانية الرائدة في شتى المجالات، منها الرياضية والاجتماعية والاقتصادية، ولكن هنالك إغفال تام لدورها الفعّال في بدء ونهضة وتطور السودان، وذلك للاهتمام الكلي والتركيز الإعلامي على مدن ثالوث العاصمة القومية دون غيرها من مدن السودان.
ضم جيش محمد على باشا الغازي للسودان عام 1821 مجموعات من الأرمن والشراكسة والالبان والارناؤوط، واستقر أكثرهم في مدينة ودمدني بعد أن أصبحت العاصمة الجديدة للبلاد في ذلك الوقت. وبعد الفتح الثاني على يد اللورد كتشينر عام 1898م وفدت للبلاد هجرات جديدة من الأجانب، وخاصة من بلاد سوريا ولبنان ومصر واليونان، وكان يعمل جل هؤلاء بالتجارة وموظفين بدواوين الحكومة.
ساهم هؤلاء القادمون الجدد في إضافة معارف وثقافات جديده للمواطنين السودانيين، وخاصة في مجال الفنون والآداب، وشاعت مظاهر الحضارة والثقافة في كل مدن السودان التي استقروا فيها . ومما ساعد على ذلك ارتباط بعضهم كالشوام والمصريين مع سكان البلاد الأصليين برابطتي اللغة والدين، وهما من أقوى الروابط. ومن تلك المظاهر السالفة الذكر استخدام الآلات الموسيقية العربية الوافدة في الموسيقي السودانية . وتعتبر مدينة ودمدني من أولى مدن السودان التي ظهرت فيها تلك الآلات.
ترجّح الروايات أن ودمدني التي تقع على الضفة الغربية لنهر النيل الأزرق اتخذت اسمها من اسم الشيخ محمد بن مدني دشين قاضي العدالة الذى يقول عنه محمد النور ضيف الله فى كتابه الطبقات: كان واحدا من أهل زمانه فى الورع والزهد والصدق.
وبعد سقوط سنار على يد الغزو التركي- المصري، اتخذها اسماعيل باشا قاعدة لقواته، ثم أصبحت بعد ذلك عاصمة للسودان، ثم انتقلت العاصمة منها إلى الخرطوم واستمرت ودمدنى عاصمة للإقليم تحت الحكم الاستعماري التركي المصرى ثم الإنجليزي المصري تحت مسميات النيل الأزرق. والآن أصبحت ودمدنى عاصمة للولاية الوسطى، وهي عاصمة لكل من النيل الازرق ، الاقليم الاوسط، الولاية الوسطى وولاية الجزيرة.
نبذة موجزة عن الشيخ محمد مدني السني مؤسس المدينة،
نشأته وميلاده:
أصول والدته: هي مكة بنت الهميم الشيخ ود عبد الصادق، وقيل أنه سماها بإسم أمه مكة بنت الشريف أبو دنانه، وهي أخت لستة بنات، وهن بنات الشريف أبو دنانه، وقد ولدن رجالاً كانوا ملء السمع والبصر، وهن أمونة وقد ولدت الشيخ محمد سوار الذهب، وحليمة وهي ولدت الشيخ عبد الله ود الأغبش، وأوديّه وقد ولدت الشيخ عمر ود بلال، وعائشة وهي ولدت الشيخ عجيب المانجلك، وسارة وهي ولدت الشريف راجل نقاوه، وفاطمة الملقبة بصلحه وهي ولدت الشيخ إدريس ود الأرباب، ومكة وهي ولدت الشيخ محمد مدني السني، ونلاحظ أن هؤلاء الرجال الأعلام أبناء خالات.
وقد ولد الشيخ محمد مدني السني في بيت جده لأمه الشيخ الهميم ود عبد الصادق (وقد أشتق لقب "الهميم" من همته في خدمة شيخه وفي العبادة). وبعد ولادة الشيخ محمد مدني السني بزمن يسير رحل والده مدني ود دشين إلى منطقة تسمى "الداخلة" وهي تقع جنوب سنجة طالباً للعلم، وترك إبنه في حضانة جده الهميم، وبعد وفاة مدني والد الشيخ محمد مدني في تلك المنطقة أتى الشيخ دشين (جده لأبيه) من أربجي إلى منطقة المندرة والمفازة- والتي ولد بها الشيخ محمد مدني- وآثر أن يأخذ حفيده من أجداده لأمه الى منطقة أربجي المعروفة، حيث قام بتربيته وكفالته وتعليمه كل علوم الدين من قرآن وفقه وسيرة وتوحيد حتى نبغ فيها، وبعد أن كبر وقويت شكيمته واشتد عوده عاوده الحنين الى أجداده حيث مسقط رأسه، ففكر في الرجوع جنوباً إلى دار أجداده، وتخمرت الفكرة وأصبحت قراراً، وشد الرحال
ومعه بعض النفر جنوباً، وفي أثناء رحلته وعندما وصل الى المنطقة المحاذية لمنطقة أبو حراز غرباً، وكانت في ذلك الوقت منطقة مجهولة لا تعرف، ولكنها كانت تمتاز بأنها "حدب" تمتاز على غيرها، وكانت كل النواحي حولها مزروعة وتحفها الغابات من كل جانب، ولكنه فكر ان ينظف جزءاً من هذه الغابة ويقيم في هذه الحدبة محاذياً لمنطقة أبو حراز، ولما تمتاز به هذه المنطقة من وسطية صارت محط المسافرين من الجنوب الى الشمال وبالعكس، مما جعل الرقعة تزيد يوماً بعد يوم، وبعدها أصبحت مقر شبه استراحة للمسافرين والجماعات، حتى أخذ الوافدين يقولون لبعضهم (نستريح مع ود مدني) حيث صار اسم الشيخ معلماً لكل مسافر ولكل وافد، مما حدا بالشيخ أن يوقد نار القرآن ليعلم من حوله، فهي أول نار قرآن توقد في (مدني) مما كان حافزاً ومشجعاً للوافدين على الاستقرار ونيل قسط في علوم الدين، وأخذت تكبر شيئاً فشيئاً مما أهلها أن تأخذ شكل القرية الصغيرة، مما شجع بعض القبائل أن تختار منها مقراً جوار هذا الشيخ الورع، وما كان منه إلا أن رحب بهم وأحسن ضيافتهم ووفادتهم.
وذاع صيته وانتقلت أخباره الى جميع الأنحاء، مما شجع كثير من القبائل أن تنزح الى الشيخ محمد مدني وأن تجاوره مستمتعة بحسن الجوار والأمن في حياتها، ونذكر هنا بعض القبائل على سبيل المثال لا الحصر؛ فمنهم العيساب والدرنيه والحجوز والنضيراب والحضور والسناهير والهواوير والإسوليه والمغاربة والبحيرية والدناقلة والجعليين وكثير من القبائل، ونلاحظ الآن وضع تلك القبائل حول قبة الشيخ محمد مدني حيث تكوّن حي المدنيين، والذي يحتفظ بالإسم حتى هذه اللحظة، ومن ثم قامت متطلبات الحياة من أسواق وجلب مياه للشرب، فكان أول سوق في المدينة هو سوق المدينة وهو المسمى الآن بسوق ام سويقو، وجله آيل للسقوط الآن.
وبعد أن تيسرت فيها سبل الحياة أخذت ود مدني تأخذ شكل المدينة، مما أهلها أن تنافس أكبر مدن السودان، ويرجع الفضل لمؤسسها الورع الشيخ محمد مدني السني رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته جزاء وفاقاً.
نسبه:
يرجع نسب الشيخ محمد مدني عن طريق أبيه الى عقيل بن أبي طالب، وعن طريق أمه مكة فهو ينتهي الى الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهو:
الشيخ محمد بن الفقيه مدني بن الفقيه دشين الملقب بقاضي العدالة، بن أحمد بن نصر بن إبراهيم بن سلام بن رقم بن علي بن الحاج محمد الملقب بالبصلابي بن أحمد بن علي بن إبراهيم بن جعفر بن محمد بن أحمد بن اسحق بن حسن بن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم.
وهذا النسب موثق أباً عن جد حتى وصل الى آخر خليفة، وقد يظن البعض أن لقب "السني" أصلاً في النسب، ولكن هو لقب له قصة سنتطرق لذكرها لاحقاً.
أبناؤه وخلفاؤه:
كان للشيخ محمد مدني أربعة أبناء هم مدني الملقب بوزن الألف، وعبد الحفيظ وهو جد الكناناب والذي يقطن أغلبهم بقرية الكريبة التي أسسها الشيخ الورع أحمد ود كنان حفيد الشيخ محمد مدني السني، ومن أبنائه أبو القاسم وهو جد المسمين بأولاد القبتين، حيث يوجد أغلب نسلهم في أبي حراز، بذلك جمعوا بين قبتي الشيخ دفع الله والشيخ محمد مدني السني، ومن هنا أتى الاسم "أولاد القبتين"، ومن أبنائه دشين وهو جد الدشيناب، وهم مستقرون بمدني حيث يعرف حيهم بحي الدشيناب.
أما الخلافة- ولحكمة يعلمها الله- فقد تسلسلت في سلالة إبنه مدني وزن الألف، وخلف مدني إبنه المكي، وكان للمكي أخ يسمى الشكاك وأبنائه الشكاكره كما ذكرهم الأشهاد، وقد خلف المكي إبنه مدني الملقب بثور الفجة - كما وجدت في الأشهاد وأحسبها نور الفجة فهي أبلغ أن يسمى بها أحد أحفاد ذلك الجد الورع- وقد خلف الشيخ مدني تور الفجة إبنه دفع الله الملقب بقراش الحصى، ويقال أن الحصى كان يساعده في قيام الليل، لذلك لقب به، وكان هذا الجد له علاقة وطيدة مع ملوك الفونج في زمانه، وقد كانوا يبادلونه الهدايا، وهنالك من المواثيق ما يثبت ذلك.
وقد خلف الشيخ دفع الله قراش الحصى إبنه أحمد القاضي، وكان له عدة اخوان منهم عبد المحسن والمكي -جد أبناء عامر- ويلتقي في هذا الجد أبناء الشيخ أحمد السني الذي عرف بأمير البحرين في دولة المهدية، حيث كانت له صولات وجولات، ومن أبنائه المشاهير العمدة إبراهيم السني وله عشرة اخوان هم أبناء أحمد السني.
وقد خلفه إبنه مدني القاضي، ونلاحظ هنا أنه من مدني الأول الى مدني القاضي ثلاث خلفاء يحملون هذا الإسم؛ ولكن لكلٍ لقبه، وقد خلف مدني القاضي إبنه محمد الكجيك، وقد بحثنا طويلاً عن هذا اللقب، ولم نجد من يدلنا عليه، ولكن سمعنا أنه كان حليماً كريماً يعمل بالعلم، وكان عندما توفيّ أبوه مدني وآلت إليه الخلافة لم يكن موجوداً، فقد كان يعمل بالقضاء في الشمالية، مما حدا ببعض الأخيار من أبناء الشيخ محمد مدني أن يجتمعوا ويؤيدوا خلافة أخيه لأبيه الشيخ محمد الأمين حتى حضور أخيه ليسلمه كل ما يهم الخلافة والنظارة والأطيان، وقام الشيخ محمد الأمين بذلك خير قيام حتى جاء الكجيك من الشمالية، فما كان من أخيه إلا أن سلمه الأمانة في ذات اليوم الذي وصل فيه، وهنا أشار الكجيك- ولأول مرة في تاريخ خلافات الشيخ محمد مدني- لخلافة أخيه الشيخ محمد الأمين بحياته، مما جعله يقوم ببعض شئون الخلافة والنظارة بوجود أخيه الخليفة الكجيك، ومما يجدر ذكره أن الكجيك لم ينجب ذكراً، وقد كان له خمس بنات، مما حدا ببعض المغرضين أن يشيعوا بأن الشيخ محمد مدني ليس له ولد، وألصقوا هذا القول في الجد الأكبر محمد مدني السني- لتطابق الأسماء- وليتهم تحروا الدقة في نقل الأخبار وأخذوا المعلومة من مصادرها لكفاهم شر التخبط، وكثيراً ما نلاحظ مثل هذه الخطرفات في المعلومة عن جدنا الشيخ محمد مدني السني، والتي يأتي بعضها نتيجة الجهل- وهو أخف على كل حال من الأسباب الأخرى- فهناك من يعلم الحقيقة ويحاول تشويهها. كرامات الشيخ محمد مدني السني:
روي عن الشيخ كرامات عدة، وقد علمنا أنه كان لا يريد ذكرها ورعاً منه وعملاً بالقول المأثور: (إن الإستقامة خير من الف كرامة) وقد نهج الشيخ النهج القويم في اتباع السنة والإلتزام به، ويحضرنا في هذا المقام قصته المشهورة مع الشيخ دفع الله المصوبن، والتي نتج عنها لقبه السني؛ فيحكى أنه كان علي ود شديد مع صنوه وأخيه في الله الشيخ دفع الله المصوبن، وكانا يتبادلان الزيارات على فترات، فتارة يكونا بالشرق وتارة أخرى بغرب النيل، وفي ذات مرة وهم بغرب النيل أرادا الرجوع الى منطقة أبي حراز حيث يقيم الشيخ دفع الله المصوبن، وعند وصولهما شط النيل الغربي وجدا المراكب بالشط الشرقي، وهنا دخل المصوبن في حالة روحيه وقال لجدنا لنمتطي الفراوي (جمع فروه)، ولكن جدنا أبى إمعاناً في التمسك بالسنة والتزاماً بها، وقال إنه يرفض اي عمل لم تأت به السنة، فربت الشيخ المصوبن على كتفه وقال له هلا هلا يا سني، ومن لحظتها أصبحت لقباً لجدنا الورع، وعبره دخلت كل بيوت أهلنا المدنيين، فلا تكاد تدخل بيت من بيوت المدنيين إلا والتقيت بمن اسمه "السني" والذي نعتز به.
ونذكر له كرامة أخرى على حسب ما رواه الرواة، وهي مع سلاطين الفونج، فقد كانت لهم عادة وطقوساً تسمى حق الطريق، يدفعونها لكبير المنطقة التي يمرون بها في سفرهم، فأرسل أحد السلاطين وزيره بهدية الى الشيخ محمد مدني، وهي عبارة عن ما يسمى بحق الطريق، ولما جاء رسول السلطان يبحث عن الشيخ محمد مدني ووصل الخلوه وسأل عنه قيل له أن الشيخ في مزرعته- والتي كان يسخر انتاجها لمئونة الخلاوي وإعاشة التلاميذ والمريدين- فما كان من الوزير إلا أن اتجه الى مكان زراعة الشيخ، ولما وصل الى هناك وجد الشيخ منشغل يعمل، فجاء حتى وقف على رأسه وسأله هل انت محمد مدني فأجابه الشيخ بالإيجاب، فقال له أنا جيتكم من قِبَل سيدي وأعطاني لك هدية عبارة عن حق الطريق- وكانت عبارة عن سلسل ذهب- وهنا امتعض الشيخ وضرب الأرض بالملود وصرخ في الرجل وقال له انظر هنا وقارن، هل أكثر ما عند سيدك أم أكثر ما عند سيدي، فاندهش الرسول حيث رأى مد البصر سلاسل من ذهب، وقال له الشيخ ارجع الى من بعثك وقل له ان الأرض لله ولسنا نملك فيها طريق، فاسلك طريقك حيث شئت، وقد أكبر هذا الحدث شأنه لدى ملوك الفونج لما لمسوه فيه من زهد وتقوى وورع وعزوف عن هذه الدنيا الفانية، مما انعكس بعد وفاته في معاملة سلاطين الفونج لأبنائه وخلفائه وتوقيرهم واحترامهم ومشاورتهم في أمور الدين والدنيا مما أكأعمال البر التي أسسها الشيخ:
كما ذكرنا سابقاً فإن الشيخ كان له قدر، وكان ذو شأن في نظر سلاطين الفونج، مما حدا بهم أن يهدوا أبناءه العديد من الأراضي الزراعية والسكنية والتجارية، ولما كانوا من الورع على نفس نهج والدهم، فقد تصدقوا وحبسوا وأوقفوا كل الرقعة التي ملّكها لهم سلاطين الفونج في ثلاثة أنواع من الوقف؛ فقد وقفوا وحبسوا بعضها لأعمال البر والخير، راجين بذلك وجه الله تعالى ونيل البر الذي أشار إليه عز وجل في قوله تعالى: "لن تنالو البر حتى تنفقوا مما تحبون"، وتمكيناً للصدقة الجارية امتثالاً للحديث الذي سقناه: "إذا مات بن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث..." الى آخر الحديث، ورغم ما عرفوا به من زهد وورع إلا أنهم لم ينسوا نصيبهم من الدنيا، وذلك في حبسهم بعض الأوقاف للضعاف من ذراريهم- وفي ذلك نظرة بعيدة وثاقبة- علهم أن يكفوا أحفادهم مكر آفات وتقلب الأحوال وشر المسألة والعوز، فأوقفوا لهم بعض الأراضي بما يسمى الوقف الأهلي، أو الذري، متأسين في ذلك بالقول: "إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا".
ومما يجدر ذكره أن أجدادنا لم يتركوا هذا العمل بغير توثيق، حيث قاموا بتوثيق إشهاد شرعي يحمل وقف خيري، وبعضه ذري، وجاء ذلك في إشهادات شرعية واضحة النصوص لا تدع مجالاً لمجادلة أو مشكل أو متعدي، ولكن رغم وضوح هذه النصوص قامت بعض الحكومات في الحقب السالفة بالتعدي الصريح على وقف المدنيين- والذي يعتبر أكبر وقف على نطاق السودان- وكان المبرر في ذلك الصالح العام، ناسين أو متناسين أن فقه الوقف والذي يجهله السواد الأعظم، لا يقبل التعدي ولا البيع ولا الرهن ولا الحل، والوقف حيث يراد به نفع فئة أو عمل بر، وبعد أن يوقفه صاحبه وهو بكامل قواه العقلية بطيب خاطر في إشهاد شرعي أصبح نصاً ملزماً لا يجوز خرقه بأي حال من الأحوال، حتى لو أراد الواقف نفسه إرجاعه عليه أن يثبت الحاجة إليه، ناهيك عن الصالح العام
وذاع صيته وانتقلت أخباره الى جميع الأنحاء، مما شجع كثير من القبائل أن تنزح الى الشيخ محمد مدني وأن تجاوره مستمتعة بحسن الجوار والأمن في حياتها، ونذكر هنا بعض القبائل على سبيل المثال لا الحصر؛ فمنهم العيساب والدرنيه والحجوز والنضيراب والحضور والسناهير والهواوير والإسوليه والمغاربة والبحيرية والدناقلة والجعليين وكثير من القبائل، ونلاحظ الآن وضع تلك القبائل حول قبة الشيخ محمد مدني حيث تكوّن حي المدنيين، والذي يحتفظ بالإسم حتى هذه اللحظة، ومن ثم قامت متطلبات الحياة من أسواق وجلب مياه للشرب، فكان أول سوق في المدينة هو سوق المدينة وهو المسمى الآن بسوق ام سويقو، وجله آيل للسقوط الآن.
وبعد أن تيسرت فيها سبل الحياة أخذت ود مدني تأخذ شكل المدينة، مما أهلها أن تنافس أكبر مدن السودان، ويرجع الفضل لمؤسسها الورع الشيخ محمد مدني السني رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته جزاء وفاقاً.
نسبه:
يرجع نسب الشيخ محمد مدني عن طريق أبيه الى عقيل بن أبي طالب، وعن طريق أمه مكة فهو ينتهي الى الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهو:
الشيخ محمد بن الفقيه مدني بن الفقيه دشين الملقب بقاضي العدالة، بن أحمد بن نصر بن إبراهيم بن سلام بن رقم بن علي بن الحاج محمد الملقب بالبصلابي بن أحمد بن علي بن إبراهيم بن جعفر بن محمد بن أحمد بن اسحق بن حسن بن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم.
وهذا النسب موثق أباً عن جد حتى وصل الى آخر خليفة، وقد يظن البعض أن لقب "السني" أصلاً في النسب، ولكن هو لقب له قصة سنتطرق لذكرها لاحقاً.
أبناؤه وخلفاؤه:
كان للشيخ محمد مدني أربعة أبناء هم مدني الملقب بوزن الألف، وعبد الحفيظ وهو جد الكناناب والذي يقطن أغلبهم بقرية الكريبة التي أسسها الشيخ الورع أحمد ود كنان حفيد الشيخ محمد مدني السني، ومن أبنائه أبو القاسم وهو جد المسمين بأولاد القبتين، حيث يوجد أغلب نسلهم في أبي حراز، بذلك جمعوا بين قبتي الشيخ دفع الله والشيخ محمد مدني السني، ومن هنا أتى الاسم "أولاد القبتين"، ومن أبنائه دشين وهو جد الدشيناب، وهم مستقرون بمدني حيث يعرف حيهم بحي الدشيناب.
أما الخلافة- ولحكمة يعلمها الله- فقد تسلسلت في سلالة إبنه مدني وزن الألف، وخلف مدني إبنه المكي، وكان للمكي أخ يسمى الشكاك وأبنائه الشكاكره كما ذكرهم الأشهاد، وقد خلف المكي إبنه مدني الملقب بثور الفجة - كما وجدت في الأشهاد وأحسبها نور الفجة فهي أبلغ أن يسمى بها أحد أحفاد ذلك الجد الورع- وقد خلف الشيخ مدني تور الفجة إبنه دفع الله الملقب بقراش الحصى، ويقال أن الحصى كان يساعده في قيام الليل، لذلك لقب به، وكان هذا الجد له علاقة وطيدة مع ملوك الفونج في زمانه، وقد كانوا يبادلونه الهدايا، وهنالك من المواثيق ما يثبت ذلك.
وقد خلف الشيخ دفع الله قراش الحصى إبنه أحمد القاضي، وكان له عدة اخوان منهم عبد المحسن والمكي -جد أبناء عامر- ويلتقي في هذا الجد أبناء الشيخ أحمد السني الذي عرف بأمير البحرين في دولة المهدية، حيث كانت له صولات وجولات، ومن أبنائه المشاهير العمدة إبراهيم السني وله عشرة اخوان هم أبناء أحمد السني.
وقد خلفه إبنه مدني القاضي، ونلاحظ هنا أنه من مدني الأول الى مدني القاضي ثلاث خلفاء يحملون هذا الإسم؛ ولكن لكلٍ لقبه، وقد خلف مدني القاضي إبنه محمد الكجيك، وقد بحثنا طويلاً عن هذا اللقب، ولم نجد من يدلنا عليه، ولكن سمعنا أنه كان حليماً كريماً يعمل بالعلم، وكان عندما توفيّ أبوه مدني وآلت إليه الخلافة لم يكن موجوداً، فقد كان يعمل بالقضاء في الشمالية، مما حدا ببعض الأخيار من أبناء الشيخ محمد مدني أن يجتمعوا ويؤيدوا خلافة أخيه لأبيه الشيخ محمد الأمين حتى حضور أخيه ليسلمه كل ما يهم الخلافة والنظارة والأطيان، وقام الشيخ محمد الأمين بذلك خير قيام حتى جاء الكجيك من الشمالية، فما كان من أخيه إلا أن سلمه الأمانة في ذات اليوم الذي وصل فيه، وهنا أشار الكجيك- ولأول مرة في تاريخ خلافات الشيخ محمد مدني- لخلافة أخيه الشيخ محمد الأمين بحياته، مما جعله يقوم ببعض شئون الخلافة والنظارة بوجود أخيه الخليفة الكجيك، ومما يجدر ذكره أن الكجيك لم ينجب ذكراً، وقد كان له خمس بنات، مما حدا ببعض المغرضين أن يشيعوا بأن الشيخ محمد مدني ليس له ولد، وألصقوا هذا القول في الجد الأكبر محمد مدني السني- لتطابق الأسماء- وليتهم تحروا الدقة في نقل الأخبار وأخذوا المعلومة من مصادرها لكفاهم شر التخبط، وكثيراً ما نلاحظ مثل هذه الخطرفات في المعلومة عن جدنا الشيخ محمد مدني السني، والتي يأتي بعضها نتيجة الجهل- وهو أخف على كل حال من الأسباب الأخرى- فهناك من يعلم الحقيقة ويحاول تشويهها. كرامات الشيخ محمد مدني السني:
روي عن الشيخ كرامات عدة، وقد علمنا أنه كان لا يريد ذكرها ورعاً منه وعملاً بالقول المأثور: (إن الإستقامة خير من الف كرامة) وقد نهج الشيخ النهج القويم في اتباع السنة والإلتزام به، ويحضرنا في هذا المقام قصته المشهورة مع الشيخ دفع الله المصوبن، والتي نتج عنها لقبه السني؛ فيحكى أنه كان علي ود شديد مع صنوه وأخيه في الله الشيخ دفع الله المصوبن، وكانا يتبادلان الزيارات على فترات، فتارة يكونا بالشرق وتارة أخرى بغرب النيل، وفي ذات مرة وهم بغرب النيل أرادا الرجوع الى منطقة أبي حراز حيث يقيم الشيخ دفع الله المصوبن، وعند وصولهما شط النيل الغربي وجدا المراكب بالشط الشرقي، وهنا دخل المصوبن في حالة روحيه وقال لجدنا لنمتطي الفراوي (جمع فروه)، ولكن جدنا أبى إمعاناً في التمسك بالسنة والتزاماً بها، وقال إنه يرفض اي عمل لم تأت به السنة، فربت الشيخ المصوبن على كتفه وقال له هلا هلا يا سني، ومن لحظتها أصبحت لقباً لجدنا الورع، وعبره دخلت كل بيوت أهلنا المدنيين، فلا تكاد تدخل بيت من بيوت المدنيين إلا والتقيت بمن اسمه "السني" والذي نعتز به.
ونذكر له كرامة أخرى على حسب ما رواه الرواة، وهي مع سلاطين الفونج، فقد كانت لهم عادة وطقوساً تسمى حق الطريق، يدفعونها لكبير المنطقة التي يمرون بها في سفرهم، فأرسل أحد السلاطين وزيره بهدية الى الشيخ محمد مدني، وهي عبارة عن ما يسمى بحق الطريق، ولما جاء رسول السلطان يبحث عن الشيخ محمد مدني ووصل الخلوه وسأل عنه قيل له أن الشيخ في مزرعته- والتي كان يسخر انتاجها لمئونة الخلاوي وإعاشة التلاميذ والمريدين- فما كان من الوزير إلا أن اتجه الى مكان زراعة الشيخ، ولما وصل الى هناك وجد الشيخ منشغل يعمل، فجاء حتى وقف على رأسه وسأله هل انت محمد مدني فأجابه الشيخ بالإيجاب، فقال له أنا جيتكم من قِبَل سيدي وأعطاني لك هدية عبارة عن حق الطريق- وكانت عبارة عن سلسل ذهب- وهنا امتعض الشيخ وضرب الأرض بالملود وصرخ في الرجل وقال له انظر هنا وقارن، هل أكثر ما عند سيدك أم أكثر ما عند سيدي، فاندهش الرسول حيث رأى مد البصر سلاسل من ذهب، وقال له الشيخ ارجع الى من بعثك وقل له ان الأرض لله ولسنا نملك فيها طريق، فاسلك طريقك حيث شئت، وقد أكبر هذا الحدث شأنه لدى ملوك الفونج لما لمسوه فيه من زهد وتقوى وورع وعزوف عن هذه الدنيا الفانية، مما انعكس بعد وفاته في معاملة سلاطين الفونج لأبنائه وخلفائه وتوقيرهم واحترامهم ومشاورتهم في أمور الدين والدنيا مما أكأعمال البر التي أسسها الشيخ:
كما ذكرنا سابقاً فإن الشيخ كان له قدر، وكان ذو شأن في نظر سلاطين الفونج، مما حدا بهم أن يهدوا أبناءه العديد من الأراضي الزراعية والسكنية والتجارية، ولما كانوا من الورع على نفس نهج والدهم، فقد تصدقوا وحبسوا وأوقفوا كل الرقعة التي ملّكها لهم سلاطين الفونج في ثلاثة أنواع من الوقف؛ فقد وقفوا وحبسوا بعضها لأعمال البر والخير، راجين بذلك وجه الله تعالى ونيل البر الذي أشار إليه عز وجل في قوله تعالى: "لن تنالو البر حتى تنفقوا مما تحبون"، وتمكيناً للصدقة الجارية امتثالاً للحديث الذي سقناه: "إذا مات بن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث..." الى آخر الحديث، ورغم ما عرفوا به من زهد وورع إلا أنهم لم ينسوا نصيبهم من الدنيا، وذلك في حبسهم بعض الأوقاف للضعاف من ذراريهم- وفي ذلك نظرة بعيدة وثاقبة- علهم أن يكفوا أحفادهم مكر آفات وتقلب الأحوال وشر المسألة والعوز، فأوقفوا لهم بعض الأراضي بما يسمى الوقف الأهلي، أو الذري، متأسين في ذلك بالقول: "إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا".
ومما يجدر ذكره أن أجدادنا لم يتركوا هذا العمل بغير توثيق، حيث قاموا بتوثيق إشهاد شرعي يحمل وقف خيري، وبعضه ذري، وجاء ذلك في إشهادات شرعية واضحة النصوص لا تدع مجالاً لمجادلة أو مشكل أو متعدي، ولكن رغم وضوح هذه النصوص قامت بعض الحكومات في الحقب السالفة بالتعدي الصريح على وقف المدنيين- والذي يعتبر أكبر وقف على نطاق السودان- وكان المبرر في ذلك الصالح العام، ناسين أو متناسين أن فقه الوقف والذي يجهله السواد الأعظم، لا يقبل التعدي ولا البيع ولا الرهن ولا الحل، والوقف حيث يراد به نفع فئة أو عمل بر، وبعد أن يوقفه صاحبه وهو بكامل قواه العقلية بطيب خاطر في إشهاد شرعي أصبح نصاً ملزماً لا يجوز خرقه بأي حال من الأحوال، حتى لو أراد الواقف نفسه إرجاعه عليه أن يثبت الحاجة إليه، ناهيك عن الصالح العام
أحياء المدينة
أحياء مدينة ودمدني:
أم سويقو (الشيخ أحمد شكال القارح - رضي الله عنه )
|
|
ود مدني Wad Madani | |
— مدينة — | |
شعار المدينة: إبتسم.. أنت في مدينة ود مدني | |
قوارب السياح في ود مدني بالنيل الأزرق | |
ود مدني الموقع في السودان | |
الإحداثيات: ٭ 14°24′ش 33°31′ق / 14.4°ش 33.517°ق | |
جمهورية | |
عدد السكان (1993) | |
- المجموع | 218,714 نسمة |
توقيت شرق أفريقيا (غرينتش +3) |
ود مدني مدينة تقع في وسط السودان على ارتفاع 409 متر فوق سطح البحر، على ضفة النيل الأزرق الغربية بمشروع الجزيرة الزرعي الشهير، وتبعد عن العاصمة الخرطوم بحوالي 186 كيلومتر جنوباً، وتعد أحدى المدن السودانية الكبيرة، وهي أيضاً عاصمة ولاية الجزيرة.
نشأة المدينة
كانت بداية نشاة مدينة ود مدنى في سنة 1489 م تقريباً، عندما حلّ الفقيه محمد الأمين ابن الفقيه مدني الذي يتصل نسبة بعقيل ابن أبي طالب ابن عبد المطلب الهاشمي، بموقع المدينة حيث أقام بالمكان الذي توجد فيه قبة الضريح الذي يحمل اسمه (وهو الآن خلوة لتعليم القرآن والفقه). وبدأت الأحياء السكنية تنتشر حوله، وكان أولها حي المدنيين الذي كان يقطنه الدارسون والمريدون للفقيه محمد الأمين. وقامت بالبلدة خلال تلك الحقبة من الزمن صناعة القوارب الشراعية إلى جانب صناعات محلية أخرى كدباغة الجلود وصناعة الأحذية والعناقريب (المفرد عنقريب وهو السرير السوداني التقليدي).
العهد التركي
وعندما غزا إسماعيل باشا كامل بن محمد على باشا، خديوي مصري، السودان في سنة 1821 م، اتخذ من مدينة ودمدنى قاعدة لقواته التي كانت في طريقها نحو سنار عاصمة السلطنة الزرقاء والتي كانت تخضع لها معظم ممالك السودان وأقاليمه الأخرى آنذاك بما فيها مدني.
انتهت أهمية ود مدني كقاعدة عسكرية لجيوش الأتراك بمقتل إسماعيل باشا في مدينة شندي بشمال السودان، حيث قرر خلفائه اختيار الخرطوم عاصمة جديدة لحكمهم وقاعدة عسكرية كبرى لجيوشهم.
الحكم الثنائي
بعد هزيمة دولة المهدية الوطنية التي خلفت الحكم التركي في السودان سنة 1898 م وبداية الحكم الثنائي الإنجليزي المصري، تمت إعادة التقسيم الإداري في السودان واختيرت مدينة الكاملين القريبة من الخرطوم عاصمة لمديرية (محافظة) النيل الأزرق التي ضمت مدينة ود مدني في حدودها، إلا إنه وبحلول عام 1902 م تحولت عاصمة المحافظة إلى ود مدنى. وخلال العشرين عاما الأوائل من عام 1900 م أقيمت بمدني محطة للسكة الحديد ومستشفى عسكري كان تابعاً للقوات البريطانية ومباني رئاسة المديرية والمحاكم ومكتب البريد والجامع الكبير على امتداد شارع النيل، كما بدأ أول تخطيط عمراني بالحي البريطاني (الحي السوداني حالياً) وحي القسم الأول. وشهدت مدينة ود مدنى منذ ذلك التاريخ نشاطاً تجارياً كبيراً جذب إليها أعداداً كبيرة من التجار والحرفيين.
في عام 1929 م تراجعت أهمية مدينة ودمدني مرة أخرى كمركز تجارى كان يستقبل يوميا عشرات القوافل المحملة بحاصلات السودان المتوجهة إلي شرق السودان وذلك بسبب اكتمال الخط الحديدي إلي شرق السودان حتى مدينة كسلا والذي كان ينقل السلع مباشرة إلى تلك المناطق دون تجميعها وإعادة توزيعها من مدني.
مشروع الجزيرة وفترة ما بعد الإستقلال
استعادت ودمدنى أهميتها الاقتصادية بقيام مشروع الجزيرة في عام 1925 م وتوسع النشاط الحكومي بها نسبة للتطور الاجتماعي والإنمائي الذي شمل مديرية النيل الأزرق قبل تحويلها في عام 1973 م إلى مديرية الجزيرة ثم إلى ولاية الجزيرة وبقيت ود مدني عاصمة لها.
الموقع
الدليق، عطبرة | ||||
شمال | ||||
شرق ود مدني غرب | ||||
جنوب | ||||
النقل والمواصلات
تمتاز المدينة بأنها نقطة الالتقاء الرئيسية لشبكة الطرق التي تربط مناطق السودان المختلفة بالخرطوم وميناء بورتسودان.
ترتبط ود مدني بشبكة من الطرق البرية الممهدة ببقية مدن السودان أهمها الطريق الذي يربطها بالخرطوم البالغ طولها 184 كيلو متر وطريق مدني- سنار وطولها 110 كيلو متر وكذلك الطريق الرئيسي السريع الذي يربطها بميناء بورتسودان عبر مدينتي القضارف وكسلا وبميناء سواكن بمسافة قدرها حوالي 950 كيلو متر والذي يعتبر من أهم واطول الطرق في السودان.
كما ترتبط مدينة ودمدني ببقية أجزاء ولاية الجزيرة ببعض الطرق الممهدة مثل طريق مدني -المناقل وطوله 95 كيلو متر وطريق مدني -رفاعة وطريق مدني -الحصا حيصا المؤدي إلى الخرطوم وغيرها من الطرق الأخرى.
التعليم
شعار جامعة الجزيرة |
تضم مدينة ودمدني المئات من المدارس النظامية على مختلف مراحلها من مرحلة الأساس إلى المرحلة الثانوية، ومن أشهر مدارسها مدرسة البندر الابتدائية والتي تاسست عام 1906 م ومدرسة الشرقية الابتدائية والتي تغير اسمها لاحقاً إلى مدرسة أحمد عبد العزيز ومدرسة ودمدني الثانوية بنين وبنات ومدرسة مدني الأميرية التي تشتهر بقيام الزعيم السوداني إسماعيل الأزهري رئيس وزراءأول حكومة سودانية بعد الاستقلال بالتدريس فيها. وهناك مدرسة ود مدني السني ومدرسة حنتوب الثانوية وهي من أوائل وأشهر المدارس السودانية وقد تخرج منها العديد من مشاهير السودان ومن خريجيها الرئيس السابق جعفر محمد نميري والزعيم السياسي الإسلامي حسن الترابي وعبد الله فقيري وغيرهم، وقد تحولت الآن الي كلية للتربية تابعة لجامعة الجزيرة. وإلى جانب ذلك يوجد العديد من المدارس الأهلية الخاصة مثل مدرسة الأمير ومدرسة الجزيرة بنات ومدارس عبدالستار للبنات ومدرسة الهوارة وبها أيضاً عدداً من الكليات والجامعات والمعاهد الأهلية مثل كلية أبوبكر عثمان الأهلية وكلية ودمدني التقنة وكلية ودمدني الأهلية التي تاسست عام 1992 م وتخرجت أول دفعة فيها عام 1995 م ،وتضم الكلية مجموعة من الأقسام والشُعَب مثل شعبة علم النفس ومدرسة العلوم الإدارية ومدرسة العمارة ومدرسة علوم الحاسوب وغيرها وتقع الكلية في الجهة الجنوبية من مدينة ودمدني في حي الدرجة.
توجد في ود مدني جامعة الجزيرة وهي واحدة من أكبر وأهم جامعات السودان ويتم التدريس فيها بنظام الفصول الدراسية (السيمستر) وهي الجامعة الرائدة في هذا النوع من نظام الدراسة في السودان وتضم كلية للطب مرتبطة بالمجتمع وكلية للاقتصاد وكلية العلوم والتكنولوجيا وكلية الزراعة وكلية التربية وغيرها من الكليات.
الرياضة
توجد في مدني عدة أندية كرة قدم رياضية تتنافس فيما بينها صعوداً وهبوطاً على الدرجات المختلفة ومن هذه الأندية: النادي الأهلي ونادي الاتحاد والنيل والنجوم والنهضة والشعلة ومريخ ودمدن وجزيرة الفيل وفداسي وغيرها. وهناك إستاد رياضي هو استاد ود مدني الرياضي لإستضافة مباربات الأندية المحلية والدولية ويعد من أكبر الملاعب الرياضية في السودان، وقد أجريت فيه بعض مباريات كأس الأمم الإقريقية لكرة القدم التي استضافها السودان عام 2011م، وجرت فيه مباريات منتخب غانا ضد جنوب أفريقيا ومنتخب زمبابوي ضد النيجر. [1]
الفن والإعلام
تعتبر ود مدني مدينة الفن والفنانين لأنها أنجبت عدداً من كبار المطربين السودانيين الذي ذاع صيتهم عبر الأثير وأبرزهم الفنان محمد الأمين الذي يعد واحد من أعمدة فن الغناء السوداني الحديث وله نمطاً موسيقياً مميزاً والفنانين الراحلين احمد المصطفى وابراهيم الكاشف، رائدا الأغنية السودانية وعثمان حسين الذي تغنى بأغنيات شهيرة مثل محراب النيل وغيرها ورمضان حسن، صاحب أغنية "ليه ليه يا نسيت أيامنا ليه" الشهيرة، والخير عثمان، الذي غنى أغنية "حنتوب الجميلة" عند الاحتفال بافتتاح مدرسة حنتوب الثانوية عام 1946 م، وعبد العزيز المبارك، صاحب الأوركسترا الذهبية الذي قام بإحياء حفلات غنائية عديدة خارج السودان خاصة في أوروبا وله ألبوم مطبوع في أوروبا على أسطوانة مدمجة بعنوان " مباشرة من القلب Straight from the heart.
في 13 مارس / آذار 1986 م تم افتتاح إذاعة ود مدني رسمياً، من محطة إرسال إذاعي أقيمت في منطقة ود المجذوب الواقعة شمال ود مدني وهي واحدة من المحطات الإذاعية التي قدمت من حكومة اليابان. ونظراً لإرسالها القوي الذي كان يصل إلى مناطق خارج السودان وفقد ظلت الإذاعة تعمل كإذاعة احتياطية بديلة لإذاعة أم درمان الرسمية وتم بث برامج إذاعة أم درمان منها إبان الفيضانات التي أثرت على محطة ام درمان. كما توجد في ود مدني محطة إرسال تلفزيوني باسم تلفزيون الجزيرة.[2]
التخطيط العمراني
تبلغ مساحة ودمدنى حالياً 65 كيلو متر مربع (مدني الشمالية الغربية والسوق الشعبي - ودمدني وسط - ودمدني شرق - السوق المركزي). وتضم عددا من المؤسسات الهامة كرئاسة وزارة الري ورئاسة هئية البحوث الزراعية ورئاسة مشروع الجزيرة وجامعة الجزيرة.
يشق شارع النيل المدينة من أقصي الجنوب الي أقصي الشمال وتقع علي جانبيه أهم مباني الوزارات الحكومية ومباني رئاسة ولاية الجزيرة ومقر والي الولاية وكذلك مجلس الولاية التشريعي ونادي الجزيرة وغيره. أما شارع السكة الحديد فيربط بين السوق الجديد والسوق العمومي بالمدينة، إلى جانب طريق سنكات-جبرونا وطريق الدرجة وطريق مدني-بركات -أم سنط.
وتوجد بالمدينة عدة متنزهات وحدائق عامة مثل منتزه مسك الختام.
النمط المعماري في المدينة خليط بين النمط الاستعماري القديم الممثل بالمباني الحكومية القديمة التي تعود في تاريخها إلى فترة الحكم الثنائي، والأبنية الحديثة إلى جانب الأشكال المعمارية ذات الطابع السوداني التقليدي المتمثل في مباني الأضرحة والقباب.
السياحة والفندقة
قرب المدينة من العاصمة الخرطوم جعل منها مركزاً سياحياً متقدماً، حيث يفد إليها العديد من السياح الجانب القادمين من الخرطوم في رحلاتهم إلى داخل السودان. كما تستحوذ المدينة قسطاً كبيراً من السياحة الداخلية حيث يفد عددا من السودانيين لقضاء شهر العسل أو تفقد المدينة أو حضور الفعاليات المختلفة وقد اقيم في المدينة بعض مباريات كأس الأمم الأفريقية التي استضافها السودان عام 2011 م.
إلى جانب الحدائق وبرزها حديقة أم بارونة السياحية والمنتزهات والمرافق السياحية المنتشرة على طول كورنيش النيل ودور السينما المختلفة وكازينو البلدية السياحي، توجد عدة فنادق جيدة مختلفة الدرجات لإستضافة الزوار ومن بينها:
- فندق كونتننتال مدني
- فندق إمبريال
- فندق ونادي الجزيرة
- فندق الفرنساوي
دور العبادة والتربية الروحية
مدينة واد مدني مدينة روحانية منذ نشأتها ولذلك توجد فيها أعداد كبيرة من المساجد والزوايا والخلاوي وقباب الأضرحة، ومجموعة من مشايخ الطرق الصوفية المختلفة الذين ينظمون حلقات الذكر ومدائح نبوية وأناشيد دينية. كما توجد كنائس لأتباع الديانة المسيحية.
السكان
يبلغ عدد سكان مدينة ودمدني حوالي 368 ألف نسمة حسب تقديرات عام 2009 م، وهي بذلك واحدة من أكبر مدن السودان. وقد أدى إنشاء مشروع الجزيرة الزراعي الذي تعد مدني أكبر مدنه إلى جعلها واحدة من أكبر وأهم مناطق الاستقطاب الديمغرافي في السودان. ويبين الجدول أدناه التطور الديمغرافي الذي شهدته المدينة منذ خمسينيات القرن الماضي.
السنة | عدد السكان |
1956 | 52.400 |
1973 | 106.715 (تعداد) |
1983 | 141.065(تعداد) |
1993 | 211.362 (تعداد) |
2009 | 368.021 (تقديرات) |
النشاط الاقتصادي
استخدام قطن الجزيرة في صناعة المراتب والوسائد المحلية
يتنوع النشاط الاقتصادي بالمدينة من الزراعة والصناعة إلى الخدمات.
تضم مدينة ودمدني العديد من الصناعات خاصة الصناعات الغذائية كصناعة البسكويت والحلويات والمشروبات الغازية ممثلة بصانع ودمدني للبيبسي كولا والكوكا كولا، كما توجد بالمدينة صناعة عصر الزيوت والصناعات المرتبطة بها كصناعة الطحنية والصابون وتوجدأيضاً ومطاحن للدقيق وصناعة الغزل والنسيج ومدبغة الجزيرة للصناعات الجلدية، وكذلك توجد بها محالج مارنجان لحلج القطن، إلى جانب الصناعات الكيميائية المختلفة.
وتوجد بالمدينة رئاسة مشروع الجزيرة (المناقل)، وهو من أكبر المشاريع المروية في أفريقيا وينتج القطن والذرة والقمح.
وترتبط بهذه الأنشطة الصناعية والزراعية خدمات ذات صلة كالخدمات المصرفية والنقل والاتصالات والإدارة.
المناخ
يسود ود مدني المناخ المداري الحار والممطر في الصيف، حيث تبلغ درجة الحرارة أوجها في الشهور ابريل / تموز ومايو / أيار ويونيو / حزيران ويبلغ أعلى متوسط لها 40 درجة مئوية في مايو / أيار، والأدنى 14 درجة مئوية في يناير / كانون الثاني. ويبدأ الموسم المطير في مايو / أيار ويستمر حتى أكتوبر / تشرين الأول. تصل تساقطات الأمطار أقصى معدل لها في أغسطس / آب حوالي 12 مليمتراً.
متوسط حالة الطقس ود مدني | ||||||||||||||
درجة الحرارة | ||||||||||||||
الشهر | المتوسط | |||||||||||||
الدرجة القصوى بـ م°(ف°) | 33 (95) | 35 (91) | 38 (100) | 40 (104) | 41 (105) | 39 (102) | 36 (96) | 34 (93) | 35 (95) | 37 (98) | 36 (96) | 33 (91) | 36,2 (97,2) | |
الصغرى بـ م°(ف °) | 14 (57) | 15 (59) | 18 (64) | 21 (69) | 24 (75) | 24 (75) | 23 (73) | 22 (71) | 21 (69) | 21 (69) | 18 (64) | 15 (59) | 19,4 (67,0) | |
هطول الأمطار | ||||||||||||||
الشهر | السنوي | |||||||||||||
متوسط هطول الأمطار بـ مم(بوصة) | 0 (0) | 0 (0) | 0 (0) | 0 (0,1) | 2 (0,6) | 3 (1,1) | 11 (4,3) | 12 (4,9) | 5 (2) | 2 (0,6) | 0 (0) | 0 (0) | 35 (13,6) | |
المصدر Weatherbase [4] |
الرعاية الصحية
تزخر المدينة بعدد من المستشفيات الحكومية والخاصة ومن بينها :
- مستشفى ود مدني التعليمي
- مستشفى الشرطة
- مستشفى التأهيلي ود مدني
- مستشفى الهدى التخصصي
- مستشفى مكة لطب العيون
- مستشفى جراحة الأطفال
- مستشفى مدني لأمراض وجراحة القلب
ريف مدني
تحيط بمدينة ودمدني مجموعة كبيرة من القرى التي لها دور ملحوظ في تنمية المدينة من خلال ما تساهم به من منتوجات زراعية حيوية تزود بها اسواق المدينة ومن تلك القرى حنتوب والشكابة طه وودالنور وبركات وودالنعيم وسعد الشفيع الجعليين وبيكه والكريبة وأم سنط، وودالمجدوب وفداسي الحليماب والعامراب والعزازة والعيكورة وغيرها. وهناك حركة دؤوبة بين مدني وهذه القري حيث يتنقل الناس يومياً بينها وبين المدينة غدوة ورواحاً لتلقى الخدمات أو ممارسة أنشطتهم التجارية. [5]
مشاهير ود مدني
تعتبر مدني مسقط رأس العديد من المشاهير السودانيين من بينهم الفنان محمد الأمين والفنان عبدالعزيز المبارك كما استوطنت بها شخصيات تبوأت مناصب رفيعة من بينها رئيس جمهورية افريقيا الوسطى الأسبق والأمبراطور لاحقاً جان بيدل بوكاسا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق